من سلسلة أخبار العرب كتاب: عزة العرب – تلاه كتاب – فصاحة العرب

من سلسلة أخبار العرب كتاب: عزة العرب – تلاه كتاب – فصاحة العرب.
تأليف حسن مغنية.
1401هـ -1981م
مؤسسة عز الدين.

من حجة الشعوبية على العرب أن قالت: إنا ذهبنا إلى العدل والتسوية ,وأن الناس كلهم من طينة واحدة , وسلالة رجل واحد.

وإحتججنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:
(المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ,ويسعى بذمتهم أدناهم ,وهم يدٌ على من سواهم) قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع _ وهي خطبته التي ودَّع فيها أمته ,وختم نبّوته – : (أيها الناس ,إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية ,وتفاخرها بالآباء. كلكم لآدم ,وآدم من تراب , ليس لعربي على عجمي فضلٌ إلا بالتقوى).

وهذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم موافق لقوله تعالي- : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) سورة الحجرات آية 13.
فأبيتم إلا فخراً ,وقلتم لا تساوينا العجم ,وإن تقدمتنا إلى الإسلام ثم صلَّت حتى تصير كالحنى ,وصامت حتى تصير كأوتار , ونحن نسامحكم ونجيبكم إلى الفخر بالآباء الذي نهاكم عنه نبيكم صلى الله عليه وسلم ,إذا أبيتم إلا خلافه , وإنما نجيبكم إلى ذلك ,لإتباع حديثه , وما أمر به صلى الله عليه وسلم ,فنرّد عليكم حجتكم في المفاخرة ,ونقول: أخبرونا إن قالت العجم هل تعدون الفخر كله أن يكون ملكاً أو نبوة؟ فإن زعمتم أنه ملك ,قالت لكم: وإن لنا ملوك الارض كلها من الفراعنة والنماردة ,والعمالقة (المؤلف هنا نسب العمالقة إلى العجم بينما هم عرب بائدة) والأكاسرة والقياصرة ,وهل ينبغي لأحد أن يكون له مثل ملك سليمان ,الذي سخرت له الإنس والجن والطير والريح وإنما هو رجل منا؟!

أم هل كان لأحد مثل ملك الإسكندر ( المؤلف يقصد ذو القرنين في هذا وليس الإسكندر) , الذي ملك الأرض كلها ,وبلغ مطلع الشمس ومغربها وبنى ردماً من حديد ,ساوى به بين الصدفين ,وسجن وراءه خلقاً من الناس ,تربى على خلق الأرض كلها كثرة !
يقول الله عز وجل ( حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون).
فليس شيء أدلُّ على كثرة عددهم من هذا , وليس لأحد من ولد آدم مثل آثاره في الأرض ,ولو لم يكن له إلا منارة الإسكندرية التي أسسها في قعر البحر ,وجعل في رأسها مرآة يظهر البحر كله في زجاجتها (لا أعرف أصلاً فيما يقوله المؤلف وشاهدت مؤخراً في قناة تاريخية وثائقية أن مُلكَ الإسكندر قد وجد تحت الماء وثبت أن الأرض التي كان عليها قد خسف بها كاملة في البحر والآن يدرسون في مصر بناء قرية أثرية متكاملة على أنقاض الحطام تحت البحر سبحان الله ! ).

وكيف ومنا ملوك الهند الذين كتب احدهم إلى عمر بن عبدالعزيز: من ملك الأملاك ,الذي هو ابن ألف ملك ,والذي تحته بنت ألف ملك ,والذي في مربطه ألف فيل ,والذي له نهران ينبتان العود والفُوه* والجوز والكافور ,الذي يوجد ريحه على اثني عشر ميلاً – إلى ملك العرب الذي لا يشرك بالله شيئاً. أما بعد ! فإني أردت أن تبعث إليّ رجلاً يعلمني الإسلام ,ويوقفني على حدوده والسلام.

-الفوه: نبات من فصيلة الفُوَّيات. ساقه مشعبة غليظة ,له عروق دقاق طوال ,ويصبغ ويداوى بها ,وتسمى أيضاً عروق الصباغين. ينبت برياً في الشرق الذي هو مهده الاصلي (يونانية).

وإن زعمتم أن لا يكون الفخر إلا بنبوة ,فإن منا الأنبياء والمرسلين قاطبة ,من لدن آدم ما خلا أربعة: هوداً وصالحاً وإسماعيل ومحمد صلى الله عليهم وسلم ,ومنا المصطفون من العالمين: آدم ونوح ,وهما العنصران اللذان تفرع منهما البشر: فنحن الأصل ,وأنتم الفرع ,وإنما أنتم غصن من أغصاننا ,فقولوا بعد هذا ما شئتم وادّعوا.

فرد ابن قتيبة على الشعوبية في كتاب تفضيل العرب:
وأمّا اهل التسوية ,فإن منهم قوماً أخذوا ظاهر بعض الكتاب والحديث ,فقضوا به ولم يفتشوا عن معناه ,فذهبوا إلى قوله عز وجل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن اكرمكم عن الله أتقاكم) سورة الحجرات آية 13.وقوله (إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم) سورة الحجرات آية 13. وإلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع (أيها الناس ,إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية ,وتفاخرها بالآباء. كلكم لآدم ,وآدم من تراب , ليس لعربي على عجمي فضلٌ إلا بالتقوى) وقوله بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم ,ويسعى بذمتهم أدناهم ,وهم يدٌ على من سواهم). وإنما المعنى في هذا ,لأن الناس كلهم من المؤمنين , سواء في طريق الأحكام ,والمنزلة عند الله عز وجل والدار الآخرة.

لو كان الناس كلهم سواءً في أمور الدنيا ,ليس لأحد فضل إلا بأمر الآخرة ,لم يكن في الدنيا شريف ولا مشروف ,ولافاضل ولا مفضول ,فما معنى قوله صلى الله عليه وسلم ( إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه) وقوله صلى الله عليه وسلم (أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم) وقوله صلى الله عليه وسلم في قيس بن عاصم: هذا سيد الوبر. وكانت العرب تقول: لا زال الناس بخير ما تباينوا ,فإذا تساووا هلكوا. تقول: لا يزالون بخير ,ما كان فيهم أشراف وأخيار ,فإذا جملوا كلهم جملة واحدة هلكوا.

وإذا ذمَّت العرب قوماً قالوا: سواسية كأسنان الحمار. وكيف يستوي الناس في فضائلهم ,والرجل الواحد لا تستوي في نفسه أعضاؤه ,ولا تتكافأ مفاصله ,ولكن لبعضها الفضل على بعض ,وللرأس الفضل على جميع البدن ,بالعقل والحواس الخمس. وقالوا: القلب أمير الجسد. ومن الأعضاء خادمة ,ومنها مخدومة.

وأما فخر الشعوبية على العرب آدم عليه السلام وبقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا تفضلوني عليه ,فإنما أنا حسنة من حسناته). ثم فخرهم بالأنبياء أجمعين ,وأنهم من العجم غير أربعة: هود وصالح واسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام , وأحتجوا بقول الله عز وجل (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) سورة آل عمران آية 33. ثم فخروا باسحاق بن ابراهيم ,وأنه لسارة ,وأن اسماعيل لأمة تسمى هاجر. وقالوا بني الاحرار عندهم: العجم ,وبني اللخناء عندهم: العرب , وذلك لأنهم من ولد هاجر وهي أمة.

لقد غلطوا في هذا التأويل ,وليس كل أمة يقال لها للخناء ,وإنما للخناء من الأماء ,الممتهنة في رعي الإبل وسقيها وجمع الحطب ,وإنما أخذ من اللخن ,وهو نتن الريح ,يقال: لَخن السقاء ,إذا تغير ريحه.

فأما مثل هاجر ,التي طهرها الله من كل دنس ,وأرتضاها للخليل عليه السلام فراشاً ,وللطيبين اسماعيل ومحمد عليهم الصلاة والسلام أمّاً ,وجعلهما سلالة – فهل يجوز لملحدٍ فضلاً عن مسلم أن يسميها لخناء ! ؟

وهكذا فإن تفاضل الناس فيما بينهم ليس بآبائهم ولا بأحسابهم ,ولكنه بأفعالهم وأخلاقهم وشرف أنفسهم ,وبعد هممهم ,ألا ترى أنه من كان دنيء الهمة ,ساقط المروءة ,لم يشرف وإن كان من بني هاشم في ذؤابتها ,ومن أمية من أرومتها ومن قيس أشرف بطن منها ,وإنما الكريم من كرمت أفعاله ,والشريف من شرفت همته ,وهو معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ). وقوله في قيس بن عاصم: (هذا سيد أهل الوبر). إنما قال فيه لسؤدده في قومه بالذب عن حريمهم ,وبذله رفده لهم.

ولقد قال قيس بن ساعدة: لأقضين بين العرب بقضية لم يقض بها أحد قبلي ,ولا يردها أحد بعدي: أيما رجلٍ رمى رجلاً بملامة دونها كرم ,فلا لؤم عليه ,إيما رجل أدعى كرما دونه لؤم فلا كرم له. فكل كرم دونه لؤم فاللؤم أولى به ,وكل لؤم دونه كرم ,فالكرم أولى به ,وان أولى الأشياء بالإنسان طبائع نفسه وخصالها.

وقد تكلم رجل عند عبدالملك بن مروان بكلام ذهب فيه كل مذهب ,فأعجب عبدالملك ما سمع ,فقال ابن من أنت يا غلام؟
قال: ابن نفسي يا أمير المؤمنين التي نلت بها هذا المقعد منك !
قال: صدقت.

وأعدل القول أن الناس كلهم لأب وأم ,خلقوا من تراب ,وأعيدوا إلى التراب ,وهذا نسبهم الاعلى ,الذي يرتدع به أهل العقول ,عن التعظيم والكبرياء , والفخر بالآباء ثم إلى الله مرجعهم ,فتقطع الأنساب ,وتبطل الأحساب ,إلا من كان حسبه التقوى , أو كانت ماتَّتُه(1) طاعة الله.

-الماتة: الحرمة والوسيلة.
إنتهى

الإعلان

الأوسمة:

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s


%d مدونون معجبون بهذه: