صحيفة الوقت البحرينية
العدد184- الاربعاء 28 رجب 1427 هـ -23 أغسطس 2006
»مراسلون«
بروفيسور البرتغال فارينها لـ «الوقت»:
البرتغاليون في الخليج لم يكونوا طلاب حرب أو قتال
الوقت – لشبونة – محمد سلمان:
هذا الباحث له عدة دراسات متميزة حول علاقات البرتغال بالعالم العربي بالذات، فمن كتاب البرتغاليين في المغرب إلى الدراسة المهمة حول تاريخ كشوفات الخليج العربي في المصادر البرتغالية،الغزو البرتغالي للبحرين، العرب في تاريخ الوجود البرتغالي في الهند، إلى كثير من المحاضرات في هذا الشأن ألقاها في مسقط ومدن الشمال الإفريقي والإمارات العربية، وقريباً ستكون له محاضرات في البحرين.
إنه البروفيسـور انطونيو ديـاش فاريـنها الأسـتاذ بجامعة لشبونة ويعتبر عميد الدراسات التاريخية البرتغالية- العربية بها منذ الثمانينات من القرن الماضي.
وقد تم أخيراً تكريم البروفسور انطونيو فارينها من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو- ALECSO) التي تتخذ من تونس مقراً لها، وذلك لدوره الفاعل في تطوير الدراسات المتعلقة بالحضارة العربية وارتباطها بالبرتغال وتوطيد الحوار بين الحضارات.
وقد أقيم حفل التكريم في أكاديمية العلوم بلشبونة حيث يشغل فارينها منصب الأمين العام بها وذلك بحضور رئيس برلمان الجمهورية البرتغالية والسفير السعودي بالبرتغال محمد الرشيد. وفي إطار الاحتفال قدم المنجي بوسنينه المدير العام للألكسو للبروفيسور فارينها الوسام الذهبي للثقافة العربية. وقد أشاد المنجي بالباحث البرتغالي واصفاً إياه بأنه أحد الأصوات الداعية إلى السلام بين الشعوب في عالم يشهد اليوم ألوانا مختلفة من التطرف وفي زمن تطمس فيه الهويات وتعلو النداءات للصدام بين الحضارات والحروب الدينية، لكن في الوقت نفسه تجد أناساً من ذوي النوايا الحسنة يناضلون من اجل التقريب بين الشعوب وإرساء أسس الحوار الثقافي والحضاري.
يذكر أن تكريم فارينها جاء أيضاً على خلفية تبنيه مشروع تدريسه للغة العربية في جامعة لشبونة من خلال مركز الدراسات العربية الذي أنشأه مع زملائه في الجامعة في نهاية القرن الماضي. ويشكل هذا التكريم لأول مرة لأكاديمي برتغالي من قبل الألكسو – كما ذكر فارينها – خطوة في طريق تعميق العلاقات التاريخية بين العالمين العربي والإسلامي والبرتغال.
ومن هنا كان لـ «الوقت» هذه الوقفة عند بوابة التاريخ مع البروفيسور البرتغالي فارينها.
؟ بداية ما الذي يشكله التاريخ من معنى في حياتك؟
– منذ كان عمري بين العاشرة والحادية عشرة وان مرتبط بالتاريخ، وبسبب تشجيع مدرسي المرحلة الابتدائية لي فقد واصلت التعلق بالتاريخ ودراسته في السنوات اللاحقة من عمري. وجدت فيه متعة وعظة ودروساً وهوية وتشكل الذات والنفس البشرية. ومن هنا فقد تشكل لدي معنى مهم للتاريخ، فهو أن تملك الفهم الكامل لحياة الإنسان على وجه الأرض، أولى خطوة للحياة بدأها البشر بدأت معه كتابة التاريخ ومعناه، من حياة المرأة والرجل وتفاعلهم سوياً لإنتاج حياة جديدة منهما على وجه الأرض. وعندما تعمقت أكثر في الدراسة وحصلت على شهادة في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس، بالإضافة لشهادة في الطب من البرتغال ولذا مزجت بين حب التاريخ ودراسته وبين الطب.
؟ إذن كيف يمكن للناس أن يدرسوا ويفهموا التاريخ اليوم؟
– دعني أقول لك بكل ثقة إن التاريخ اليوم هو الطريق الصحيح لفهم الحياة التي نعيشها والمستقبل الذي لم نعشه بعد، كل هذا نستشفه ونكتشفه من قراءة ودراسة التاريخ بفهم ووعي جديد يؤدي بشكل أساسي لوضع الخطط والتصور المرحلي والقادم للبشرية.
فمثلاً عند دراسة التاريخ القديم في أثينا، الصين، بلاد الرافدين، والنيل، نجد أن الإنسان دائماً يحاول صنع حضارته في الجانب الايجابي من الحياة. وعندما بدأت الدراسات المتعمقة في التاريخ في أوروبا خلال القرن الثامن عشر الميلادي بدأ الباحثون في دراسة التاريخ من منطلق: لماذا حدثت الأحداث الكبرى في التاريخ ولدراسة السجل الحضاري وكيفية نشوء الفكر الحضاري وانتقاله الى العالم ككل. إلا أنني أشير الى ان العرب قد سبقوا غيرهم من الأوروبيين في هذه النظرة وذلك على يد المؤرخ وعالم الاجتماع ابن خلدون في فترة القرنين الرابع عشر والخامس عشر. واعتبره بحق الرجل الأول الذي درس تاريخ الإنسانية الاجتماعي وكيف تقوم الدول وتسقط في سلم متدرج وكيف تبدأ الحضارة الإنسانية وتسقط بعد الوصول للأعلى. لقد درس الحياة الاجتماعية بكل تفاصيلها التي نتوخاها اليوم عند دراسة التاريخ وليس فقط ذكر الأحداث بشكل سردي. وكانت المقدمة عند ابن خلدون هي خير مدخل لهذا الوصف. كذلك ابن بطوطة من خلال رحلاته المتعددة كون رؤية للتاريخ والناس. ولذا ففي عام 1840 ترجمت للبرتغالية ولأول مرة كتب ابن بطوطة لأهميتها. في القرن التاسع عشر بدأنا في الغرب الأوروبي (فرنسا، انجلترا، ألمانيا) نفكر في تناول الحركة الاجتماعية للتاريخ ومصادره الحقيقية، وبدأت الدراسات تركز أكثر على هذا الجانب وعلى ثيمة التاريخ الميثولوجي وبتنا نكتشف الأخطاء ونصححها في أطروحاتنا. وهنا تكمن قضية إعادة قراءة التاريخ ومن هنا بدأ الغرب ينظر للتاريخ على انه يجب ان يكتب من خلال الوثائق الصحيحة والموثقة وينظر له بمنظار متطور يتضمن النواحي الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. لذا يجب ان تكون لدينا علاقة واتصال مباشر بالوثائق الأصلية عند كتابة التاريخ.
؟ ما هي وجهة نظرك من منطلق هذا المفهوم للفترة البرتغالية في الخليج العربي خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر بما فيها من اتهامات لكم بأن البرتغاليين دمروا التحضر في المنطقة ولم ينعشوه كما كان متوقعاً؟
– أولاً البرتغال كانت دولة منظمة يقودها ملك وبها إدارة مدنية حديثة جيدة آنذاك إلا أنها كانت أيضاً دولة فقيرة وصغيرة. وفي الواقع ولهذا السبب كنا نحن البرتغاليين لا نحب الحروب ضد جيراننا وبالذات الأسبان، بل كنا نبحث عن علاقات تجارية نوجد من خلالها أنفسنا على خريطة العالم ولذلك اتجهنا إلى حركة الكشوف في المحيط الأطلسي قبالة السواحل البرتغالية فاكتشفنا جزر (ماديرا، أزورس) وغيرها، واستخدمنا في ذلك سفن (الكاريفيلا) و(الغاليوت) و(الفوشتا) التي صنعناها بأنفسنا وبخبرات عربية من فلكيي الأندلس ومن ايطاليا. وضمن تلك الكشوف استولى البرتغاليون على (سبته) في شمال المغرب عام 1514 وبدأوا التجارة مع البحر المتوسط وبحر الشمال. وللعلم أن المحيط الأطلسي خطر جدا وهو اخطر في الإبحار من المحيطين الهندي والهادئ ولا تعتقدوا بأنه كان من السهولة عبوره. ثم بدأت التجارة مع الأفارقة في غرب إفريقيا وبالذات في سلعة التوابل. ومن المعروف أن البرتغاليين ذهبوا للبحث عن التوابل والذهب في غينيا الاستوائية في غرب أفريقيا وذلك لسبب المجاعة النقدية التي نتجت عن انعدام الذهب في البرتغال، وتوقف سك العملة الذهبية منذ عام 1385م، واستمر الوضع كذلك لمدة 50 سنة تقريبا حتى 1435م، مما أدى إلى حدوث أزمة اقتصادية واجتماعية حادة أضرت بالتجار والدولة وبالطبقات العالية كالنبلاء والكنيسة كذلك، الأمر الذي جعل تلك الفئات الاجتماعية البرتغالية تتبنى عملية الغزو وركوب البحر بحثاً عن سند لعملة البلاد المتدهورة وهو الذهب بهدف احتكار استيراده. وقد كان الاحتكار مقتصراً على العرب المسلمين -وبالذات المرابطون- الذين كانوا يستوردونه من وسط وغرب أفريقيا عبر طرق القوافل المتجهة إلى سواحل شمال المغرب، وجاء استخدام شعار الحرب الصليبية ضد المغاربة المسلمين ليضفي بعد آخر على هذا الوضع.
أما وصول البرتغاليين إلى الشرق من أفريقيا و الهند وسيطرتهم على المياه الشرقية وطرقها التجارية فقد كان بسبب ضعف العرب والممالك الإسلامية في تلك المناطق. ثم بدأ البرتغاليون منذ عام 1507م في الوصول إلى السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية والخليج العربي وعدن وذلك للسيطرة عليها وعلى مداخل التجارة الدولية التي كانت تمر في هذه المناطق بين الشرق والغرب وذلك ضمن أهداف البرتغاليين للتجارة بالتوابل وتصديرها لأوروبا بالإضافة إلى (الخيول، اللؤلؤ) والتي هي جزء من تجارة هرمز في الخليج. وللعلم فإن مملكة هرمز لم تكن مملكة بالمعنى السياسي الكامل، بل كانت مركزاً تجارياً مهمّا في العالم في تلك الفترة. ومن هناك تعامل البرتغاليون مع المراكز التجارية في جلفار، البحرين، قشم، هرمز، قلهات، مسقط، قريات، صحار، صور. إذن لولا قضية الاحتكار التجاري لأسعار البضائع وطرق التجارة الشرقية التي تولاها المسلمون المماليك والعثمانيون بين الشرق والبحر المتوسط وأوروبا وخوف الأوروبيين من الزحف الإسلامي على أراضيهم لما قامت الكشوف الجغرافية ولما وصل البرتغاليون الى المياه الشرقية في المحيطين الهندي والهادي ولما أقاموا إمبراطوريتهم البحرية هناك. أما عن قضية التحضر فكما وقع العرب المسلمون في أخطاء احتلال شبه الجزيرة الأيبيرية وإقامة مملكتهم هناك كذلك وقع البرتغاليون الأوروبيون في أخطاء احتلال الموانئ والمناطق العربية الإسلامية في المشرق أثناء إقامة إمبراطوريتهم في تلك المياه.
؟ ولكن ماذا عن العلاقات البرتغالية البحرينية في فترة السيطرة البرتغالية على جزر البحرين والتي استمرت حوالي 82 عاماً؟
– البحرين كانت تشكل للبرتغال مركزاً مهماً للتجارة والثروات بسبب أهمية موقعها الاستراتيجي والأهمية الاقتصادية التي تمتعت بها في الخليج العربي لشهرتها بمنتجاتها الزراعية واللؤلؤ الثمين التي كانت تتميز به، فهي كانت كواحة غناء وغنية في الصحراء. ومنذ ان احتل البرتغاليون هرمز عام 1507م وثبت ذلك الاحتلال بشكل مؤكد عام 1515م على يد القائد البرتغالي (الفونسو دا البوكيرك) كانت البحرين شبه تابعة لهرمز، الا انه بسب السيطرة البرتغالية على هرمز رفض الجبور – وكانوا يسيطرون على البحرين- دفع الضريبة السنوية لخزينة هرمز وذلك بعد وصول البرتغاليين؛ لهذا السبب قررت السلطات البرتغالية في هرمز احتلال البحرين وضمها من جديد لمملكة هرمز عام 1521م. البرتغاليون حقيقة لم يرغبوا في القتال بداية واحتلال البحرين بقوة السلاح ولكن تشجيع وتحفيز ملك هرمز (توران شاه الرابع) دفعهم الى ذلك ولهذا السبب استخدموا قوارب الهرامزة أيضا في عملية احتلال البحرين وطرد الجبور منها و قتل حاكمها آنذاك وهو مقرن بن زامل الجبري. أما القطيف فقد قام باحتلالها الهرامزة بعد ذلك وليس البرتغاليين، إنما ما حدث هو أن البرتغاليين نقلوا القوات الهرمزية على ظهر سفنهم فقط وكانت بقيادة شرف الدين إلى القطيف للسيطرة عليها وذلك لان الجنود البرتغاليين الذين قاموا باحتلال البحرين لم يتجاوزوا 500 جندي ومات أو قتل عدد كبير منهم أثناء محاولة الغزو في صيف البحرين عام 1521م ولذلك لم يكن في خطتهم محاولة التوغل داخل البلاد العربية الإسلامية وبالذات شبه الجزيرة العربية لقلة عددهم.
أما ما يقال عن قطع رأس مقرن الجبري في عملية احتلال البحرين من قبل البرتغاليين فذلك من وجهة نظري قد حدث أثناء القتال وليس خارجه او بعد نهايته كما يشاع واعتقد انه يجب التفكير في هذا المنحى والمساق للنظر في تلك الأحداث.
أما العلاقة التجارية التي قامت بين البرتغاليين والبحرين فهي الأساس في مجمل العلاقات العامة بين الجانبين.
وبما أن هرمز كانت هي التي تحمي الخليج والبحرين، فالبرتغاليون حلموا بأن يكونوا أباطرة المنطقة كذلك، فملك البرتغال أطلق على نفسه لقب (إمبراطور)، لكنهم أدركوا في النهاية أنهم ليسوا أقوياء ولا يمكنهم أن يكونوا كذلك حتى لو شكلوا إمبراطورية. فقلة عدد البرتغاليين وبالذات الجنود كانت المشكلة في الخليج وغيره مما أدى في النهاية لسقوط البحرين1602م، ثم هرمز 1622م.
ثم أن هناك نقطة مهمة لا يمكن أن تغيب عن ذهن الباحث التاريخي الحصيف وهي أن نظام السيطرة البرتغالية في الخليج كان تجارياً وليس عسكرياً وذلك لان البرتغاليين تتبعوا طريق السيطرة التجارية نفسه الذي اتبعته هرمز قبلهم، إلا أن القوة الفارسية الصفوية نمت وطمحت للسيطرة على الخليج كله وتجارته بالذات في مطلع القرن السادس عشر ومن هنا وضعت نصب عينيها في عهد الشاه عباس الكبير تدمير القوة البرتغالية الضعيفة في الخليج واستلام زمام المبادرة منها والسيطرة التجارية على المنطقة بدلاً عنها وهذا كان احد أهم أسباب هزيمة القوة العسكرية البرتغالية في الخليج.
رابط المقال :
http://www.alwaqt.com/art.php?aid=13460
اترك تعليقًا